شهدت الأسواق الآسيوية مع بداية تعاملات يوم الاثنين حالة من الهلع والانهيارات الحادة، وذلك عقب دخول الرسوم الجمركية الصارمة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيز التنفيذ، هذا التصعيد المفاجئ في السياسة التجارية الأمريكية جاء ليشعل فتيل المخاوف في الأوساط الاقتصادية والاستثمارية العالمية، محدثًا صدمة عنيفة في البورصات الآسيوية التي لم تشهد مثيلاً لها منذ سنوات.
ففي مشهد غير مسبوق، افتتحت بورصة هونغ كونغ تعاملاتها على انخفاض حاد بلغ 12%، وهو أسوأ أداء لها منذ 16 عامًا، وسارت بقية الأسواق في آسيا والمحيط الهادئ على نفس النهج، حيث تراجعت بورصة تايبيه بنسبة 9.7%، وبكين 8.7%، وطوكيو 6.4%، وشنغهاي 6.3%، وسيول 4.9%، ومومباي 3%، هذه الأرقام تعكس بوضوح حجم الذعر الذي اجتاح المستثمرين، والقلق من أن هذه الإجراءات قد تكون بداية لحرب تجارية عالمية تهدد بنية النظام الاقتصادي العالمي.
وفي تصعيد إضافي، ردت الصين بفرض تعريفات جمركية انتقامية على الواردات الأمريكية، في خطوة عززت المخاوف من دوامة تصعيد تجاري بين أكبر اقتصادين في العالم. وصرّح المحلل الاقتصادي ستيفن إينس من شركة “SPI لإدارة الأصول” قائلاً: “ما نشهده اليوم ليس مجرد نزاع تجاري عابر، بل هو إعادة ترتيب شاملة لمعادلات الاقتصاد العالمي”.
وفي ظل هذا التصعيد، بدأت العديد من الدول محاولات تفاوض حثيثة مع إدارة ترامب للحصول على إعفاءات أو تأجيلات للرسوم الجمركية. ووفقًا لتصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسي، فإن أكثر من خمسين دولة تواصلت مع واشنطن سعيًا للتوصل إلى حلول، في ظل اتهامات بتلاعب بعض الدول بأسعار عملاتها. الرسوم الجديدة تشمل 10% على كافة الواردات إلى الولايات المتحدة، ومن المقرر أن ترتفع يوم الأربعاء المقبل إلى 34% على الصين و20% على الاتحاد الأوروبي، في إطار ما وصفه ترامب بأنه “إجراء ضروري لاستعادة التوازن التجاري وتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة لأمريكا”. إلا أن الرد الصيني لم يتأخر، حيث أعلنت بكين عن رسوم مماثلة بنسبة 34%، وأكد نائب وزير التجارة الصيني أن الخطوة تهدف لحماية حقوق الشركات الصينية والأمريكية العاملة في الصين، داعيًا واشنطن إلى العودة إلى النظام التجاري متعدد الأطراف.
وفي أوروبا، يعكف الاتحاد الأوروبي على دراسة رد أوروبي مشترك خلال اجتماع يُعقد في لوكسمبورغ، بينما اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن “العالم، كما نعرفه من حيث التجارة، قد انتهى”.
وفي خضم هذه الفوضى، حاول الرئيس ترامب تبرير سياسته الصارمة، قائلاً من على متن الطائرة الرئاسية “إن الإجراءات القاسية ضرورية أحيانًا لتحقيق التعافي الاقتصادي”، وذلك في وقت تشير فيه العقود الآجلة للأسواق الأمريكية إلى توقعات باستمرار الهبوط الحاد.
وفي تطورات ذات صلة، يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الرسوم المفروضة على الصادرات الإسرائيلية بنسبة 17% خلال زيارته المرتقبة إلى البيت الأبيض، والتي تشمل ملفات تجارية وسياسية متشابكة. كما طلب زعيم الحزب الشيوعي الفيتنامي تأجيل تطبيق الرسوم البالغة 46% لمدة 45 يومًا على الأقل، على أمل التوصل إلى تسوية سريعة.
ورغم بعض المبادرات التفاوضية، إلا أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات. فقد حذّر بيسي من أن هذه المفاوضات “لن تُحسم في أيام أو حتى أسابيع”، في حين أشار المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفين هاسيت إلى بدء بعض الدول بالفعل التفاوض لتفادي الرسوم الضخمة، مؤكدًا في الوقت نفسه على “وجود زيادات محتملة في الأسعار” داخل الولايات المتحدة، لكنه استبعد تأثيرًا كبيرًا على المستهلك الأمريكي في المدى القصير.
ومع ذلك، فإن معظم الخبراء الاقتصاديين يتفقون على أن هذه السياسة الحمائية قد تؤدي إلى تسريع معدلات التضخم وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، مما قد يُدخل الاقتصاد العالمي في دوامة تباطؤ حاد إذا ما استمرت الأزمة دون حلول دبلوماسية واقتصادية قريبة.
شاهد أيضاً: