عيش القارة الأفريقية اليوم لحظة فارقة في مسار تحولها نحو مصادر الطاقة المتجددة، فبينما كانت الكهرباء لعقود طويلة رفاهية بعيدة عن متناول ملايين السكان، يفتح الاعتماد المتزايد على الطاقة الشمسية أبوابًا جديدة أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
خلال العام الأخير، سجّلت العديد من الدول الأفريقية أرقامًا غير مسبوقة في استيراد الألواح الشمسية، ما يعكس إقبالًا متسارعًا على الاستثمار في هذا القطاع، أكثر من عشرين دولة كسرت أرقامها القياسية السابقة، بينما تجاوزت 25 دولة عتبة الـ100 ميجاواط من الواردات، وهو ما لم يكن متصورًا قبل أعوام قليلة فقط.
هذه الألواح لا تُمثّل مجرد معدات، بل فرصة لتغيير ملامح منظومات الطاقة في القارة. ففي دول مثل سيراليون، يمكن للواردات الأخيرة وحدها أن تُمثل أكثر من نصف إنتاج البلاد من الكهرباء في عام كامل. أما على مستوى القارة، فمن المتوقع أن تضيف الألواح الشمسية نسبة معتبرة إلى إجمالي التوليد، لتسهم بشكل مباشر في تقليص الفجوة المزمنة في إمدادات الكهرباء.
ما يميز هذه الطفرة أنها لا تقتصر على تعزيز الشبكات الكهربائية فقط، بل تمتد إلى تأثيرات اقتصادية أوسع. ففي نيجيريا مثلًا، يكفي استبدال الديزل المستورد بالطاقة الشمسية لتغطية تكلفة الألواح خلال ستة أشهر فقط. وفي دول أخرى، يكون العائد أسرع، الأمر الذي يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويعزز الاستقلالية الطاقية.
كما أن الفجوة الهائلة بين فاتورة استيراد النفط ومثيلتها للألواح الشمسية – التي تتراوح من 30 إلى أكثر من 100 مرة – توضح حجم المكاسب المحتملة إذا تم تسريع التحول نحو الطاقة الشمسية.
على خلاف تجارب دول أخرى كبرى مثل باكستان، فإن النمو في أفريقيا يعتمد بدرجة أكبر على الطاقة الشمسية الموزعة: شبكات صغيرة، حلول منزلية، ومشروعات مجتمعية. هذه النماذج تتناسب مع الطبيعة الجغرافية والديموغرافية للقارة، حيث يعيش ملايين السكان في مناطق بعيدة عن الشبكات الوطنية.
لقد أثبتت هذه الحلول جدواها في إنارة المدارس والمستشفيات الريفية، وتوفير الطاقة للمنازل، وضخ المياه، بما يساهم في تحسين مستوى المعيشة بشكل مباشر.
حتى الآن، لا تزال جنوب أفريقيا ومصر هما الدولتان الوحيدتان اللتان تُقاس فيهما القدرات الشمسية بالجيجاواط، لكن المسار الحالي يوحي بأن المشهد سيتغير قريبًا. الزخم القائم، وتراجع أسعار الألواح عالميًا، إضافة إلى تزايد وعي الحكومات والمجتمعات، كلها مؤشرات على أن القارة تدخل مرحلة جديدة.
انطلاق الطاقة الشمسية في أفريقيا ليس مجرد توجه بيئي أو اقتصادي، بل هو ثورة في مفهوم التنمية. فكل لوح شمسي يُركّب يعني طفلًا يستطيع الدراسة تحت ضوء كهربائي، ومستشفىً يعمل بكفاءة أكبر، ومزارعًا يعتمد على مضخة مياه لا على وقود مكلف، إنها البداية الحقيقية لعصر الطاقة النظيفة في قارة الشمس.
شاهد أيضاً:
من هي الدولة التي تملك أكبر احتياطي نفط في العالم لعام 2025؟




